الأحد 22 ديسمبر 2024

ثقافة

مذكرات جرجي زيدان| الفصل الرابع «شعرت إني إنسان» (8-3)

  • 29-9-2024 | 14:57

جرجي زيدان

طباعة
  • بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

هذا هو الفصل الرابع من مذكرات مؤسس "الهلال" جرجي زيدان، وفيها يتحدث عن هوايته في مستهل صباه للعلم والأادب وميله إلى الإطلاع والمعرفة، وكيف تعلم حسابات الدوبيا، وتعرف إلى بعض مشاهير العلماء والأدباء.

الفصل الرابع: شعرت إني إنسان

وأخذت من ذلك الحين أحدث نفسي: هل أبقى كما أنا في محل والدي، مع متاعبه، أم أسعى لاكتساب العلم، أم أتوجه وجهة أخرى، وكنت قد بلغت السادسة عشرة من عمري، وشعرت بأني انتقل من طور إلى طور، وإني إنسان ولي إرادة، ووافق ذلك سن المراهقة وهو من الغرور والأوهام التي تستولي على الشاب، فيحسب نفسه أعقل الناس، وأن له مستقبلاً مجيدًا فيؤاخذ الناس على تقصيرهم في تقديره حق قدره، ولكن الحياء الذي فطرت عليه كان يخفف من غروري

وقد كنت في الطور الأول من نشأتي أعتقد أن لابسي البنطلونات أرقى عقلا وأوسع معرفة وأصح حكما من لابسي السراويل، لأن أكثرهم من المتعلمين فلما قرأت شيئا من المبادىء العلمية: ضعف هذا الاعتقاد في نفسي، وصرت لا أستغرب مجاراة أهل (السراويل) و(القنابيز) لأهل البنطلونات والبرانيط

ولما رأت أمي میلي إلى العلم شجعتني عليه، وأعادت الكرة على والدي فطالبته بإخراجي من المطعم وإن كانت (العقدة) أنني يجب أن أبحث عن العمل الذي ينبغي أن أزاوله إذا خرجت، وكان يعتقد أن صناعة الطهي أكثر الصنائع ربحا إذا راجت، وكثيرا ما كان يناقش والدتي في ذلك، وهي تشتد في نقدها لما في العمل بالمطعم من تعب بالليل والنهار

وكنت قد تعرفت - على يد شاول - إلى كثيرين من أصحابه كتاب التجارة في سوق الطويلة وغيرها، وصرت أجد نفسي بينهم غريبا برغم ما كنت أجده من تلطفهم في اطرائي، فإذا شاهدت أحدهم جالسا إلى منضدته، والدفتر مفتوح بين يديه، وقد وضع القلم وراء أذنه، وثيابه نظيفة كمنضدته، خفق قلبي شوقا إلى بلوغ مثل هذه الحال، فلما تباحث والداي فيما يفعلانه لأجلي، عرضت عليهما أن أعمل كاتبا في (سوق الطويلة): فوافقا.

 

الاكثر قراءة